الكاتب الروسي -قليل الحظ- دانيال خارمس، والذي حظي بصيتٍ محدود بين أقرانه الكتاب في ذاك العصر من رواد قسم لينينغراد، لم يستطع نشر أي من أعماله الأدبية للبالغين بشكل رسمي باستثناء قصيدتين؛ بسبب ما فرضته توجهات رابطة اتحاد الكتاب السوفياتي المسيطرة آنذاك. فشكّل هو وصديقه وشريكه الوحيد ألكسندر ففيدنسكي (1900-1941) رابطة أدباء أوبيريو (الفن الواقعي التجريبي)، واتجه خارمس للكتابة للأطفال، فأنتج ما يقرب من 11 كتابا متنوعاً لهم، منها (القنفذ وسكسين) عن طريق دار النشر المعروفة بـ«مارشال أكاديمي».أثارت عدد من حكايات الأطفال تلك جدلا واسعا آنذاك، وتسببت في اتهامه بالترويج للاشتراكية، ونشر أفكار مشوهة وغير آمنة للأطفال، ومضادة للاتحاد السوفياتي، ومليئة بالرمزيات والإسقاطات. حاول خارمس تبرئة نفسه بالتظاهر بالجنون.
وفي أغسطس عام 1941 ألقي القبض عليه بتهمة مناهضة للنظام الشيوعي؛ كتمرير دعايات نصية متوارية ومعادية خلف حكاية (رجل خرج لشراء التبغ واختفى). زجّ به في عيادة الطب النفسي الخاصة بسجن ليننغراد أثناء أول أقسى شتاء في الحصار الألماني. في الثاني من شباط/ فبراير 1942، منسيًّا داخل جناحه، مات من الجوع.
لا يمكن تصنيف خارمس كروائي أو كاتب حكايات تقليدي، إنما هو كاتب لا يسعى إلى قسرك على فهم ما يريد. فيُخفي خلف نسيج شخوصه ألف حكاية وقصة. هو رجل بهوية أدبية متفردة في مدرسة العبث. بعد ثلاثين سنة من منعها، تمكنت أعمال خارمس من الظهور بذات الألق والعبثية التي كانت تستهويه. ومن بوابة دار الخان نقدمه إلى قراء العربية في قصة (المرأة العجوز) التي التقاها خارمس صدفة في الشارع وهي تحمل ساعة بلا عقارب.
Reviews
There are no reviews yet.